قال الفقيه(ابن الخياط) :
واعتقد ابن العربي أن الرياضة إذا كملت اختلط ناسوت صاحبها بلاهوت الله تعالى وهو مذهب النصارى
قلت: (والقول للإمام مجد الدين الفيروزآبادي)هذا كلام من هو بمعزل عن معنى كلام الشيخ ولم يفهم مقصده ومغزاه ولا مراده ومعناه وهذا الوهم إنما حصل له لما ذكر الشيخ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن الله تبارك وتعالى أنه قال:
"لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها" رواه البخاري
ففهم الشيخ رحمه الله تعالى من هذا الحديث العظيم ما لايفهمه عموم الناس بل وكثير من أهل الخصوص وللناس في فهم معاني هذا الحديث وسائر الأحاديث والكلام الرباني مراتب سبع:
الأولى: مخصوصة باللطيفة القالبية التي يفهمها السالك الواصل إلى غيب اللطيفة القالبية المسمى بغيب الجسد
الثانية:مخصوصة باللطيفة النفسية التي يفهمها السالك الواصل إلى غيب النفس
الثالثة: مخصوصة باللطيفة القلبية التي يفهمها السائر الواصل إلى غيب القلب
الرابعة: مخصوصة باللطيفة السرية التي يفهمها السائر الواصل إلى غيب السر
الخامسة مخصوصة باللطيفة الروحية التي يفهمها الطائر الواصل إلى غيب الروح
السادسة: مخصوصة باللطيفة الخفية التي يفهمها الطائر الواصل إلى السواد الأعظم والغيب الخفي
السابعة: مخصوصة باللطيفة الخفية التي يفهمها المجد الواصل إلى غيب الحق المحيط بالغيوب
والشيخ مُحيي الدين رحمة الله عليه إنما تكلم في معنى هذا الحديث القدسي من هذه المنزلة المخصوصة باللطيفة(السابعة) ولا يفهم معنى كلامه في هذا المحل إلا من له من هذه المنزلة نصيب ومن هذا المورد شرب والمعمي الغوي المسكين المحروم يأخذ من ظاهر الكلام ما لايسعه عقله ولا يوافق إدراكه فيجعله كمذهب النصارى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
والأَولى بالعاقل المُنصف إذا عجز عن إدراك مقاصد العارفين في مقالاتهم أو لم يجد نصيباً من منيف مقاماتهم وشريف حالاتهم أن يقف عند حده ويكسر بهم الملام بفلِّ حده
وقال الفقيه:ولو نظر السادة الصوفية في التحقيق لكانت كتب حجة الإسلام وكتب السهروردي كافية لهم
قلت: هذا من التشنيع والتنقيع البالغ على السادة الصوفية بأنه نظر لهم في التحقيق وأنهم من أجهل فريق ولا يعرفون النافع من الناقع ولا يميزون بين النافع والناقع وإذا كانت الصوفية السالكون المحققون العارفون عنده بهذه المثابة التي لا يعرفون ما يضرهم ويغيرهم وما إلى طريق النجاة يجرهم مع شدة اجتهادهم وكمال أفضالهم فمن أين وصل حال الفقيه إلى أن يهديهم إلى نجاتهم أو يعيب على تضاعف مزاجهم ؟
وقول الفقيه: كتب السهروردي فيه ترك أدب أما صلح شيخ شيوخ العارفين وأستاذ السالكين ومن لبس لباس الولاية من نظره طوائف لايحصيهم إلا رب العالمين أن يذكر باسمه أو لقبه ويراعي في ذلك طريق أدبه ولكن ربما عدَّ الفقيه تعظيم الصوفية عاراً أو حسب تكريم المشايخ على المتفقهة شغاراً
قال الفقيه: وأما قول مولانا مجد الدين :إن ثم طائفة في الغي طائفة يعظمون النكير ويبلغون به حد التكفير
يشير الفقيه :إلى قولي هذا في جواب السؤال الذي ورد عليِّ من بعض المشايخ يسال عن الشيخ مُحيي الدين ابن العربي وكتبه وما قولي فيه فذكرت أن الناس قد اختلفوا في أمره على ثلاث طرائق:
فبعض أهل الظاهر ممن لا حظَّ له في مشرب المحققين أصلاً عظم فيه النكير وجماعة من الصالحين توقفوا عن القطع بوجه من الوجوه في أمره لعدم اطلاعهم على حقيقة أمره
وأما الجمهور من المشايخ المحققين والسادة العارفين فقد أقروا له بأنه إمام زمانه لأهل التحقيق والتوحيد وأنه في العلوم الظاهرة والباطنة وحيد فريد
فظن الفقيه أني أردت بالجمهور شيخ الإسلام ابن عبد السلام رحمه الله وأمثاله فقال:سبحان الله كيف ينسب شيخ الإسلام رحمه الله إلى ذلك إذ كان ممن ينكر عليه؟
قلت: هذا أيضاً من الكَلِم التي يجب الإعراض عنها فإنه كذب صراح لما روينا بالسند الصحيح عن الشيخ عز الدين سُئل عن القطب الغوث الفرد؟ فقال: إنه الشيخ مُحيي الدين ابن العربي
فقيل له: إنه ذكر في مجلس درسك أمس وطعنوا فيه وأنت ساكت لم ترد عليهم فقال: ذلك مجلس فقهاء
يعني: أهل الظاهر الذين ليس لهم من أحوال العارفين بالله نصيب تام فيقفون على كلام لأهل التحقيق في الظاهر غير موافق لمعتقدهم فيتعين عليهم الإنكار فبسط الشيخ عذر المتفقهة في إنكارهم وفي الطعن على الشيخ وحقق له حالة لأهل التحقيق وبين لهم عُلو قدره في الإمامة ومن كان له أدنى تمييز وعقل ونظر فب حال الشيخ وأهل عصره معه لكفاه دليلاً على علو شأنه لأن الشيخ كان مقيماً بالشام في زمن الشيخ عز الدين وهناك من العلماء ومشايخ الإسلام ونظراء ابن عبد السلام الجمع الكثير والجم الغفير وفيهم قضا المذاهب الأربع الذين لا يعرفون بتقديم أحد إلا بعد مشاهدة أمور من الكرامات والخوارق ومطالعة حمائل وشيم بوارق
ثم إنهم بأجمعهم كانوا معترفين بالشيخ مُحيي الدين بجلال القدر مُقرين أنه أستاذ المحققين وإمام العارفين من غير إنكار يرى العاقل أن أهل هذه المملكة العظيمة مع كثرة من فيها من العلماء والفقهاء وتماد إقامة الشيخ مُحيي الدين ابن العربي بين أظهرهم أكثر من ثلاثين سنة مع كثرة مصنفاته المتداولة بين أيديهم علموا باطله وزندقته وسكتوا ولم ينطق أحد منهم لله بكلمة ولم يتلفظ محقٌ منهم في بيان حاله بكلمة واحدة!
بل أجمعوا على تعظيمه وتكريمه والإنفاق عليه من أجلِّ أموالهم حتى أن قاضي قضاة الشافعية رحمه الله تعالى رتب له في اليوم ثلاثين درهماً فكان يتصدق بها وكذلك سائر أكابر العلماء والملوك كانوا يتقربون إلى الله تعالى بتعظيمه وإجلاله وكان المنكر يظن أنهم داهنوا في دينهم معاذ الله من ذلك ثم إنه جاور بمكة شرفها الله تعالى وكان البلد إذ ذاك مجمع العلماء والفقهاء والمحدثين صار المشار إليه بينهم يتسارعون إليه ويتباركون بالحضور بين يديه ويقرؤون تصانيفه وهذه المصنفات التي بمكة شرفها الله تعالى والطباق التي عليها أصدق شاهد على ذلك وكان أكثر اشتغاله بمكة بسماع الحديث أو إسماعه وأكثر الطبقات بخطه وصنف فيها الفتوحات من ظهر قلبه ولما فرغ منه وضعها في سطح الكعبة المعظمة زادها الله تعظيماً ولم ينزلها إلا بعد سنة فلما أنزلت وجدها كما وضعها لم يبتل منها ورقة ولا لعبت فيها الرياح بها وأمطار مكة ورياحها أمر عظيم فوق وصف الواصفين
وحينئذٍ سنح للناس أن يكتبوها وينشروها فهل الناس جهلوا حالهم وحاله ولم يمد أحد قلمه بالإفتاء بكفره إلى أن ظهر فقيه اليمن هذا أمر لايصدقه ذو لبٍّ أن تسكت الأمة مع وفورهم وجموعهم سنين غافلين عن إحياء الدين إلى أن يتولى ذلك الفقيه البارع المسكين لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال الإمام الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي رحمه الله تعالى في الدفاع عن الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
قرأت في بعض تراجم الشيخ محيي الدين ابن العربي :
أن والده كان وزير السلطان بالمغرب وكان ابتداء حال الشيخ أنه دعاه بعض الشبان من أصحاب والده إلى مجلس شرب فلما جلس وانبسط معهم داروا بالقدح إلى أن وصل إليه وتناوله فلما أراد شربه سمع صريخاً من القدح :
"يامحمد ما لهذا خلقت" أو "دع فما لهذا خلقت" الشك مني
فرمى بالقدح وقام وخرج كالمصروع إذا أفاق فلما وصل إلى باب الدار فإذا براعي غنم الوزير أتى بالراتب من السمن فاستصحب الراعي إلى ظاهر البلد وأخذ ثيابه ولبسها وأعطاه ثيابه التي كانت عليه وسار إلى أن وصل إلى جبانة وفي طريق الجبانة نهر جار لقصد الإقامة ولم يكن ثم كن فوجد في وسط الجبانة قبراً قد انهدم وخسف به حتى صار كأنه مغارة صغيرة فدخله الشيخ واشتغل بالذكر والفكر ولم يكن يخرج إلا وقت الحاجة والصلاة قال:
فأقمت أربعة أيام وخرجت في الخامس بهذه العلوم كُلها
ثم اجتمع بعد هذا بعلماء المغرب وصالحيها وكانت البلاد مشحونة بهم ذاك فاعترفوا كلهم بجلالة قدره ولو اطلع الإنسان بما كانت بينه وبين الأولياء والأفراد والمحققين بتلك البلاد وخوارق ظهرت له ومنه يفضي إلى العجب ثم توجه إلى مكة شرفها الله تعالى وحج ودخل الروم وتزوج بأم قطب الوقت الشيخ صدر الدين القونوي صاحب "الفكوك" و"بحر العلوم الوهبية" فقرأ على الشيخ جملة كثيرة من مصنفاته التي وجدت هناك وقد وقفت عليها لما دخلت "قونية" من بلاد الروم وهي في خزانة عند قبر الشيخ صدر الدين وعلى كل جزء خط الشيخ ولفظه بلغ الولد صدر الدين قراءةً عليَّ لم يزده في المدح على هذا من جلالة قدر الشيخ صدر الدين القونوي وتبحره في العلوم الظاهرة والباطنة
ثم انتقل الشيخ محيي الدين ابن العربي إلى الشام وسكن دمشق وأقام بها مشتغلاً بالتصانيف العجيبة الغريبة التي لم ينسخ على منوالها ناسخ منها"التفسير الكبير" الذي بلغ فيه إلى تفسير قوله تعالى في سورة الكهف(وعلمناه من لَّدُنَّا علما)الاية 65في السفر السابع والتسعين فتوفي الشيخ ولم يكمل
ومنها "التفسير الصغير" في ثمانية مجلدات في المدرسة ودار الحديث النورية بدمشق موقوف
ومنها متون الحديث مختصرات "الرياض الفردوسية في الأحاديث القدسية" وهي مائتا حديث رواها سيد المرسلين عن رب العالمين
وله في الفقه كتاب "المعلى على المحلى " لابن حزم وهو أحد دواوين الإسلام وثانيها: كتاب ابن عبد البر والثالث: كتاب ابن قوام
وصنف في العلوم الظاهرة والباطنة أكثر من أربعمائة مصنف ولما توفي رحمه الله تعالى دفن بجبل قاسيون في المدينة الصالحية وبني عليه بناء معظم وهو مزار عظيم الآن باقٍ آثاره ظاهر لأهل الصلاح أنواره
قول الفقيه شيخ الإسلام ابن الخياط:
بل صاحبه البلقيني (والبلقيني هوالإمام العلامة شيخ الإسلام الحافظ الفقيه ذو الفنون المجتهد سراج الدين أبو حفص عمر ابن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن محمد بن مسافر الكناني الشافعي ولد في ثاني شعبان سنة اربع وعشرين وسبعمائة وسمع من ابن القماح وابن عبد الهادي وابن شاهد الجيش وآخرين وأجاز له المزي والذهبي وخلق لايحصون وأخذ الفقه عن ابن عدلان والتقي السبكي والنحو عن أبي حيان وولي قضاء الشام سنة تسع وستين عوضاً عن تاج الدين السبكي فباشر دون السنة وولي تدريس الخشابية والتفسير بجامع ابم طولون والظاهرية والف في علم الحديث محاسن الإصلاح وتضمين ابن الصلاح وله شرح على البخاري والترمذي مات في عاشر ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة انظر طبقات الحفاظ)
هذا القول من أغرب الأقوال مشعربأن قائله مُغرب عن التاريخ وأحوال العلماء وكان قائله لايبالي بما قال ولا يكترث بالنطق في المحال إذ جعل البلقيني صاحب الشيخ عز الدين وبينهما أكثرمن مائة سنة لأن البلقيني لم يدرك أصحاب الشيخ عز الدين وإنما أدرك أصحاب أصحابه فإننا سمعنا وقرأنا على أصحاب أصحاب الشيخ
أخبرني وإياه الشيخ الإمام المسند فتح الدين أبو الحزم محمد بن محمد بن أبي الحزم القلانسي رحمه الله تعالى قال : أخبرني عبد اللطيف شيخ الإسلام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي سماعاً عن ابن اللتي سماعاً عن أبي الوقت عن الداوودي عن الحموي عن ابراهيم بن حريم عن عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عن حريز بن عثمان قال: قلت لعبد الله بن بسر:
"أكان شيخاً رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن بسر:كان في عنفقته شعرات بيض"رواه البخاري ومسلم
توفي عبد السلام سنة خمس وتسعين هذا والد الشيخ عزالدين وقد توفي قبل ولادة البلقيني بسنين فكيف يتصور لأن يكون البلقيني صاحب الشيخ عز الدين؟
قال الفقيه: حيث أمرنا بإحراق كتبه المذكورة وأحرقت بأمره وأمر السلطان
هذا أيضاً من الأكاذيب الواضحة الظاهرة التي لاشك ولا ريب فيها لما تقدم أن كتب الشيخ محيي الدين زهاء خمسمائة مصنف منها التفسيران الكبير والصغير وكتب الحديث والفقه
وهل يصدق مسلم أن الشيخ سراج الدين البلقيني فقيه زمانه وعالم عصره وأعجوبة مصره أمرنا بالإحراق لهذه الكتب ولو أمر أحد بإحراق هذه الكتب المذكورة كائناً من كان لأحرق الآمر دون إحراق الكتب
قوله: أحرقت بأمره وأمر سلطان مصر
لم يقع ذلك البتة لأنه من العظائم التي من شأنها أن يشار بخبرها إلى الأفاق والحال أنه لم يبلغ ذلك عنهم أصلاً مع كثرة الإقامة بمصر وترددنا واختلافنا بعد المجاورة بمكة المشرفة فإن وقع شيء من ذلك وحضرهم الفقيه وشاهده أو نقل إليه علمه العدول الثقات وحققوا له أن الكتب المحرقة لم تكن إلا تصانيف الشيخ محيي الدين فحينئذ يكون ذلك والعياذ بالله منه خطأ من البلقيني وكلٌ يخطيء ويصيب إلا من خصه الله بعنايته وحمايته
وعلى كل حال فلا يتم الاحتجاج به على تكفير الشيخ وجواز إحراق كتبه وإيجاب الأمر بهذا على سلطان المسلمين وإمام العالمين وجعله عاصياً إن لم يفعل ذلك
قال الفقيه (ابن الخياط):وكيف يقول مولانا مجد الدين أنه يُدين الله في حقه وهو يبيح المكث للجنب والحائض في المسجد ،هكذا ذكره في كتبه .
قلت: تعجب الشيخ ممن يدين الله بمن يبيح المكث في المسجد للجنب والحائض وما موضع التعجب إلا كلام الفقيه فإنه برهان واضح ودليل لائح على عدم اطلاع الفقيه على ما هو معلوم لمن هو في أدنى درجات الفقهاء بل ومن هو دون القلتين من الطلبة النبهاء فإن اختلاف مذاهب العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء المجتهدين مشهورة وفي جميع كتب الخلافيات مذكورة فلما لم يطلع الفقيه عليه ظن انفراد الشيخ محيي الدين بهذا القول فإنه خالف الإجماع وقال بما لم يسبقه إليه أحد من العلماء فكاد يكفر الشيخ ومن يدين الله به بذلك
فقال: وهذه مصادمة لقول سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
والخلاف في المسألة مشهور فقال الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى : لايجوز للجنب والحائض المكث ويجوز لهما المرور
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لايجوز المكث ولا المرور إلا إذا كان في المسجد ماء أو طريق
وقال آخرون يجوز المكث لهما إذا كانا على وضوء
وقال إمام السنة أحمد بن حنبل والإمام المزني من أصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى : يجوز المكث لهما مطلقاً وهو قول حبر الأمة وترجمان القرآن أبي العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما
وذكر الشيخ محيي الدين في "المعلى" جماعة ممن وافق المذكورين من التابعين والفقهاء لم يحضرني الآن أسماؤهم ثم إن من قال بهذا القول أوّل قوله تعالى :
(إلا عَابري سَبيلٍ) النساء 43 بأن المراد بهم : المسافرون يصيبهم الجنابة فيتممون ويصلون
قال الفقيه:
وقال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم:"لايحل المكث في المسجد لجنب ولا لحائض"
أقول: إن هذا الحديث في السنن وليس له ذكر في الصحيحين ولكن إسناده حسن غير أن ليس على هذا الوجه الذي أورده الفقيه لكنه غير مبالٍ في نقل الحديث وتقديم ألفاظه وتأخيرها ولفظ الحديث في السنن عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لاأحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود
أيجوز هذا ويسوغ لمسلم أن يفعل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ويتلاعب به ويؤديه كيف شاء وعلى أي وجه أراد ولا يراجع كتب الحديث ولا يسأل أهله إن لم يعلم المظانّ كي يسلم من وعيد قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من رواية الجم الغفير من الصحابة قيل أربعين وقيل مائتين من الصحابة منهم العشرة المبشرة :
"من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم في غير موضع
ومعنى الحديث :
اصرفوا بيوتكم عن المسجد بحيث لايكون المسجد طريقاً إلى بيوتكم وممراً إليها فإن قيل : التوجه في اللغة إنما يعدى باللام بقول :وجهت وجهي لله فكيف وقع هنا التعدية بعن؟
قلت: ليدل على معنى الصرف فإن الصرف يعدى بعن يقال : وجه عنه وجهه أي: صرف ووجهه إليه أي أقبل إليه وفي إيراد اسم الإشارة إلى تحقير تلك البيوت وتعظيم شأن المساجد أي لايصح ولا يستقيم أن يكون المساجد ممَّر تلك البيوت
وقوله صلى الله عليه وسلم::فإني لاأحل المسجد ..." إلى أخره بيان للوصف الذي يرد على الحكم السابق وعلة له ولذلك وضع المسجد مقام الضمير
قال الفقيه : وليس ذلك تعصباً ،هذا القول فيه نظر فإنه لاشك أنه تعصب إما تعصب بحق أو باطل
قال الفقيه: وهذه مصادمة لقول سيد المرسلين وفي مخالفته فيها ،هذا آخر ما أردت وضعه هنا وليس ذلك تعصباًلا والله
هذا القول فيه نظر فإنه لاشك أنه تعصب ،إما تعصب بحق أو باطل
قوله :والله ماأحوج الفقيه في هذا المقام إلى اليمين بالله عزوجل وقد أنذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"لاتحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون"
ويعلم أن تعصبه هنا ظاهر ظهور النهار وإن لم يكن تعصب فإن اليمين منهيٌ عنها في مثل هذا الموضع المستغني عن اليمين فيه مع وجود المتهمين إن لم يكونوا مكذبين فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بصدق العبد وسريرته
قول الفقيه: بل ذبَّاً عن دين رب العالمين
ليت شعري هل استولى وغلب الدين وأفسده مفسدون أحوج الحال إلى أن يذبهم الفقيه عن هذه الفتيا المشحونة بأنواع الأباطيل والأكاذيب ونقل الأحاديث على غير الوجه واللفظ المروي ونسبة الناس إلى ما لم يكن منهم بل إكفارهم وتفسيقهم من غير سبب ولا باعث سوى قرة العصبة وثائرة الغضبة على من قال صدقاً ونطق حقاً
قال الفقيه: وإحياءً لسُّنة سيد المرسلين
هل ماتت السُّنة النبوية والعياذ بالله فيحتاج إلى إحيائها بهذه الفتيا التي تتضمن ما ذكرناهما من العظائم والدواهي منها إيجاب فعل محرم على سلطان المسلمين فقد ذكر أنه يجب عليه أن يمحو كُتب الشيخ مُحيي الدين بن العربي التي تشتمل على مصنفات في التفسير ومتون الأحاديث النبوية والقدسية ومتون الفقه المشتمل على ذكر مذاهب السلف من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام من الصحابة والتابعين الأخيار والمجتهدين الكبار فمحوا هذه الكتب ومنعوا المسلمين عن تحصيلها وإقرائها وإسماعها طاعةً أو معصيةً إيماناً أم كفراً أو زندقةً؟
وقد كتب الفقيه :ونصيحة لعامة المسلمين والله الموفق للصواب
إنه يجب على مولانا السلطان ارتكاب هذه المعصية ثم لم ينفعه ذلك حتى أوجب عليه أن يشق عن قلوب العباد ليطلع على الإرادة من أراد نشر كتب ابن العربي التي منها الكتب الجليلة المذكورة وارتكاب هذه المعصية كفر ظاهر لائح وقد أوجب الفقيه على مولانا السلطان حفظه الله تعالى ارتكابه وفتح من إنكار العالمين باباً تغلق أبوابه هذه الجملة مما يتعلق بالاجتراء على مولانا أمير المؤمنين وخليفة الله في الأرضين
وأما ما يتعلق بالافتراء وشهادة الزور على أحقر عباد الله مؤلف الكتاب فقد شهد أنه صنف كتاباً مجلداً في تكفير الإمام أبي حنيفة ومن كفر أبا حنيفة فقد روينا في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"ايما رجل قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما"رواه البخاري في الأدب المفرد ورواه الترمذي
وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" رواه البخاري ومسلم
وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لايرمي رجل رجلاً في الفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه وإن لم يكن صاحبه كذلك"رواه البخاري
وفي الصحيحين أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من دعا رجلاً بالكفر أو قال : عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"رواه مسلم
هذا آخر ما يسر الله إيراده وأنا أتوب إلى الله تعالى من هفوات اللسان وخطرات الجنان مما لم يقرب من رضا الرحمن وأعذر عن سقطات الأقلام وورطات الكلام مبادراً إلى عفو الفقيه عمن صدر منه في حقي من الافتراء راجعاً إلى الله تاركاً سلوك مسالك المرية والامتراء.